بسم الله
الرحمن الرحيم
اللهمّ بعد حمدك
و الصلاة على نبيك و آله
و صحبه، ندعوك لأن نَخُطَّ
بين هذه السطور ما تنفع
به القارىء و الكاتب يا
رب .
و بعد، إنها حملة
شرسة شنّها الغرب على
الإسلام تحت عنوانٍ أجوف
"تحرر المرأة"
على اعتبار أن الإسلام
حسب زعمهم يضيق عليها
و يخنق حرّيّتها التي
يطالبون بها من باب حرصهم
عليها ...
فنقول كذبوا والله فالإسلام
منح المرأة جملة من المكرمات
لم و لن تحصل عليها إلاّ
في ظلال الشريعة السمحة،
فهم الذين ما أرادوا منها
إلاّ سلعة بخسة الثمن
أو دمية يروّجون بها سلعة
ما فلا تصلح الدعاية و
الترويج إلاّ عبر عرض
مفاتن المرأة و زينتها
و لا يصحّ نقل الأخبار
إلاّ من متبرّجة تلفت
الأنظار و لا يستقيم الفنّ
إلاّ بخلع رداء الحياء
!!! أهذا هو التحرر الذي ينادون
به!!! فهي معزّزّة مكرّمة
طالما منظرها ملفت جذّاب،
فإذا فقدت هذه الخاصّيّة،
إمّا أن تصير مدرّبة على
خلع الحياء أو تُرمى رمي
الجيف و تُنسى كما نُسِيَ
من قبلها.... وإن أرادوا
أن يزخرفوا لها قدوة لن
يجدوا غير باكيات نادمات
على ما ضيّعن به أنفسهن،
فأي هدف سامٍ قضين دونه
و أي غدٍ مشرقٍ سعين له!؟
أما الإسلام فلم
يرد من المرأة إلاّ مصنعاً
للرجال و منبتاً لأصحاب
الفكر الأزهر و القلب
الأنور أمثال خديجة أم
المؤمنين و عائشة حِبُّ
رسول الله، ففي مدارس
هؤلاء تخرّج رجال حكموا
الدنيا من أقصاها إلى
أقصاها و ما ظلموا قطّ،
فكان منهم الحاكم العدل
كعمر رضي الله
عنه، و
كان منهم الطبيب النجيب
كالخوارزمي و ابن الهيثم
و كان منا و منا من لو أردنا
ذكرهم لأجابنا لسان الحال
أن قفوا وقفة احترام لمن
رضي الله عنهم و رضوا عنه
....إلخ
فيا بنت الإسلام
أجيبي و تعالي للحقِّ
أنيبي، لعل الله
أن يجعلك من اللائي تصنعن
الرجال و يربين الأجيال
.....إلخ
ندعوا الله أن يهدي
شبابنا و يستر على بناتنا
و ان يرد الأمة إليه مرداً
جميلا إنه وليّ ذلك و القادر
عليه و هذه نبذة من حياة
أم المؤمنين عائشة بنت
أبي بكر رضي الله عنها
و عن أبيها :
عائشة بنت
أبي بكر |
* "حبك يا
عائشة في قلبي كالعروة
الوثقى" بعد أن رحلت خديجة
بنت خويلد إلي جوار ربها
.. والتي قضى معها النبي
صلى الله عليه وسلم أكثر
من ربع قرن .. وكان قد تجاوز
مرحلة الشباب .. وكانت ابنته
فاطمة الزهراء صغيرة
في حاجة إلي رعاية من يقوم
مقام الأم فعرضت عليه
(خوله بنت حكيم) أن يتزوج
"سودة بنت زمعة" التي مات
عنها زوجها (السكران بن
عمر العامري) عقب عودته
مع سودة من هجرته إلي الحبشة.
وكانت امرأة مسنة .. خشيت
اضطهاد مكة لها .. وخافت
على دينها من أن يفتتها
فيه أهل مكة فاختارها
النبي صلى الله عليه وسلم
لرعاية ابنته فاطمة .. وليس
هذا الاختيار بسبب رغبة
في مال أو جمال فلم تكن
تملك شيئا من ذلك .. وقد عبرت
هي بنفسها عن ذلك للرسول
فقالت: ـ والله ما بي على
الأزواج من حرص، ولكني
أحب أن يبعثني الله يوم
القيامة زوجا لك! لقد تزوج
النبي صلى الله عليه وسلم
من عائشة رضي الله عنها
بعد رحيل أم المؤمنين
خديجة بعدة سنوات .. وكانت
عائشة مازالت صغيرة .. وكانت
جميلة .. وذكية .. وتعرف القراءة
والكتابة .. وتحفظ الكثير
من الشعر .. تربت في بيت أبي
بكر الصديق .. وأخذت من والدها
العظيم ذكاءه ورقته .. وجميل
شمائله. ويقول الرواة
إن التي اقترحت خطبتها
للرسول خولة بنت حكيم
.. في نفس الوقت الذي عرضت
عليه الزواج من سودة بنت
زمعة .. وهنا نتوقف عند سن
عائشة عندما تزوجت الرسول
صلى الله عليه وسلم. قالوا
أنها كانت في العاشرة
من عمرها. ولكن هناك من
الدارسين من يرى غير ذلك
.. فالعقاد يقول: ـ "ولا يعرف
على التحقيق في أي سنة
ولدت عائشة رضي الله عنها
.. ولكن أقرب الأقوال إلي
الصدق وأحراها بالقبول
أنها ولدت في السنة الحادية
عشرة أو الثانية عشرة
قبل الهجرة .. فتكون قد بلغت
الرابعة عشرة من عمرها
أو قاربتها. يوم بنى بها
الرسول عليه السلام". ويقول
عنها العقاد أيضا: ـ وجملة
ما يفهم من وصفها على التحقيق
أنها كانت بيضاء، فكان
عليه السلام يلقبها بالحميراء
.. ـ لاختلاط بياضها بحمرة
وكانت أقرب إلي الطول
لأنها كانت تعيب القصر،
كما مر في كلامها عن السيدة
صفية، وكانت في صباها
نحيلة أو أقرب إلي النحول،
حتى كان الذين يحملون
هودجا خاليا يحسبونها
فيه .. قالت في حديث مشهور:
ـ ".. وأقبل إلي رهط الذين
يرحلون لي ـ أي يحملون
الرحل على البعير ـ فحملوا
هودجي وهم يحسبون أني
فيه، وكانت النساء إذ
ذاك خفافا لم يهبلهن ولم
يغشهن اللحم، إنما يأكلن
العلقة من الطعام، فلم
يستكثر القوم ثقل الهودج
حين رحلوه ورفعوه، إذ
كنت مع ذلك جارية حديثة
السن". ثم مالت بعد سنوات
إلي شيء من السمنة كما
جاء في كلامها في حديث
آخر: ـ "خرجت مع
النبي صلى الله عليه وسلم
في بعض أسفاره وأنا جارية
لم أحمل اللحم، فقال صلى
الله عليه وسلم .. تقدموا
.. فتقدموا .. ثم قال: تعالي
حتى أسابقك فسبقته فسكت
.. حتى إذا حملت اللحم وكنا
في سفرة أخرى قال صلى الله
عليه وسلم للناس: تقدموا
.. فتقدموا .. ثم قال تعالي
حتى أسابقك فسبقني فجعل
صلى الله عليه وسلم يضحك
ويقول: هذه بتلك".. كانت
عائشة أقرب الناس إلي
قلب رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد عبر عن ذلك
بقوله: "حبك يا عائشة في
قلبي كالعروة الوثقى"
وقال أيضا يصف عاطفته
القوية نحو عائشة: ـ "اللهم
هذا قسمي فيما أملك فلا
تلمني فيما تملك ولا أملك"
وكانت السيدة عائشة تعرف
مكانتها عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم، التي
لا يتفوق عليها إلا حبه
للراحلة العظيمة خديجة
بنت خويلد، حتى أن عائشة
كانت تغار منها رغم وفاتها..
وكانت عائشة تعدد مزايا
نفسها فقالت بعد أن رحل
النبي صلى الله عليه وسلم
إلي جواربه: ـ "فضلت على
نساء النبي صلى الله عليه
وسلم بعشر .. لم ينكح بكرا
قط غيري .. ولا امرأة أبواها
مهاجزان غيري، وأنزل
الله براءتي من السماء،
وجاء جبريل بصورتي من
السماء في حربرة، وكنت
أغتسل أنا وهو في إناء
واحد ولم يكن يصنع ذلك
بأحد من نسائه غيري، وكان
يصلي وأنا معترضة بين
يديه دون غيري، وكان ينزل
عليه الوحي وهو معي ولم
ينزل وهو مع غيري. وقبض
وهو بين سحري ونحوي في
الليلة التي كان يدور
علي فيها ودفن في بيتي".
ولا شك أن هذه المنزلة
بلغتها بكل ما تملك من
مواهب الجمال .. والذكاء
.. والحس المرهف .. كان النبي
صلى الله عليه وسلم يخصف
نعله يوما وهي تغزل ورأت
العرق على وجهه، فتصورت
أن حبات العرق على جبينه
ـ حبها له تتألق نورا .. فاعترتها
الدهشة. قال لها الرسول
صلى الله عليه وسلم: مالك
بهت؟ قالت: يا رسول الله
نظرت إلي وجهك فجعل عرقك
يتولد نورا .. فلو رآك أبو
كبير الهذلي لعلم أنك
أحق بشعره.. قال: وما يقول
يا عاشة أبو كبير الهزلي؟
قالت: يقول: ومبـرأ مـن
كل غير حيضة وفصـاد مرضـعة
وداء مقبل وإذا نظـرت
إلـي أسرة وجهه برقت كبرق
العـأرض المتهلل |
|
فقال إليها
الرسول صلى الله عليه
وسلم وقبلها بين عينيها
وقال: ـ بارك الله فيك
يا عائشة. وقد زاد من حبه
لها صداقته الحميمة بأبيها
(أبو بكر الصديق) .. وقد سأله
يوما عمرو بن العاص: ـ يا
رسول الله من أحب الناس
إليك؟ ـ عائشة. ـ إنما
أقول من الرجال؟ ـ أبوها.
ولا يختلف أحد على فصاحتها
وقدرتها على البيان .. ومن
أجل هذا قال عنها الرسول
الكريم: ـ "خذوا شطر دينكم
عن هذه الحميراء. ويستدل
الرواة على قدرتها البلاغية
الفائقة من خطبها في مختلف
المناسبات .. فهي التي وقفت
على قبر أبيها (الصديق
ترثيه): ـ "نضر الله وجهك،
وشكر لك صالح سعيك، فلقد
كنت للدنيا مذلا بإعراضك
عنها، وللآخرة معزا بإقبالك
عليها، ولئن كان أجل الحوادث
بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم رزؤك، وأعظم
المصائب بعده فقدك، أن
كتاب الله ليعد بالعزاء
عنك حسن العوض منك بالدعاء
لك فإنا لله وإنا إليه
راجعون، وعليك السلام
ورحمة الله توديع غير
قالية لحياتك ولا زارية
على القضاء فيك". كما يرون
الرواة أنها تمثلت بقول
الشاعر، عندما رأت والدها
العظيم يجود بأنفاسه
فقالت: لعمـرك ما يغني
الثراء عن الفني إذا حشرجت
يوما وضاق بها الصدر فقال
لها والدها العظيم وهو
يذكرها بأن تستدل بما
هو أفضل بكتاب العزيز
الحميد: قال لها وقد استمع
إلي كلمها الحزينة: ـ لا
تقولي ذلك يا عائشة، ولكن
قولي: "وجاءت سكرة الموت
بالحق ذلك ما كنت منه تحيد".
ولكن هذه السيدة الفاضلة
التي كانت تغار على رسول
الله صلى الله عليه وسلم
تحدث لها حادثة تركت في
حياتها بصمات عميقة .. بل
أن هذه الحادثة تركت على
مجرى التاريخ الإسلامي
نفسه بصمات عميقة يوم
تصدت فيما بعد للإمام
علي أبي طالب في معركة
"الجمل" لأنها لم تنس له
قوله عقب هذه الحادثة:
تزوج يا رسول الله .. فالنساء
كثير أنها حادثة الإفك..
وهذه الحادثة كما يرويها
الرواة ملخصها .. أنها خرجت
مع النبي صلى الله عليه
وسلم في إحدى غزواته (غزوة
بني المصطلق) .. وبعد أن انتهت
هذه المعركة، وأخذ الجيش
طريقه إلي المدينة .. كانت
عائشة قد ذهبت بعيدا لقضاء
حاجتها .. وقد انفرط عقدها
.. فأخذت تجمعه .. وعندما تم
لها ذلك نظرت فإذا الجيش
قد أخذ طريقه نحو المدينة
.. وكان الذي يحملون هودجها
يظنونها فيه، وأخذت تتلفت
يمنة ويسرة وفي كل الاتجاهات
وهي تحاول العودة إلي
المدينة .. ثم أخذها التعب
فنامت .. وكان هناك الشاب
صفوان بن المعطل الذي
كان يبحث في أرض المعارك
عمن تخلف من المقاتلين،
وشاهد السيدة عائشة وعرفها
.. فأركبها على راحلته .. وأخذ
يقودها حتى أرجعها إلي
بيتها.. قصة عادية.. ولكن
المنافقين أخذ يصور لهم
خيالهم المريض أشياء
أبعد ما تكون عن هذه السيدة
الفاضلة التي تربت في
بيت طهر .. وهو بيت الصديق،
وعاشت في أطهر مكان .. وهو
بيت محمد صلى الله عليه
وسلم .. فقد اتهموها في شرفها!
وعلم الرسول صلى الله
عليه وسلم بهذه الشائعات
فحزن .. فهو يعلم أن عائشة
فاضلة .. ويعلم أن صفوان
شاب مستقيم. ولكن المنافقين
زادوا في غيهم .. حتى أن الرسول
صلى الله عليه وسلم سأل
أصحابه وزوجاته فيما
أشيع بين الناس. فقال عمر
بن الخطاب: "لقد زوجها لك
ربك يا رسول الله وهو لا
يخدع نبيه". وقال علي: "يا
رسول الله لا تحزن. لم يضيق
الله عليك والنساء غيرها
كثير". وقالت جاريتها "بربرة"
.. وهي تنفي التهمة تماما
عن عائشة: ـ لا والذي بعثك
بالحق، ما رأيت شيئا آخذه
عليها سوى أنها جارية
حديثة السن، تنام عن العجين
فتأتى الدواجن فتأكله.
وعلمت عائشة بما يدور
.. فبكت .. وزاد شحوبها ونحوبها
.. وذهبت إلي بيت أبيها.. أيام
عصيبة للغاية .. عاشتها
أم المؤمنين .. وهي لا تتصور
أو تتخيل أن يتهمها إنسان
في أعز ما تملك .. وفي ابنة
الصديق، وزوج رسول الله
صلى الله عليه وسلم.. وزاد
من عذابها قول
الرسول صلى الله عليه
وسلم لها عندما جاء إلي
بيت أبيها: ـ "يا عائشة
لقد بلغني عنك ما بلغني
.. فإن كنت بريئة فسيبرئك
الله .. وإن كنت قد أخطأت
فاستغفري الله، وتوبي
إليه، فإن العبد إذا اعترف
بذنبه تاب الله عليه"
ونظرت إلي أمها وأبيها
لعلهما يدافعان عنها
.. ولكنهما لاذا بالصمت
فقالت: ـ لقد علمت أنكم
سمعتم ما يتحدث به الناس
وثبت في أنفسكم وصدقتم
به .. ولئن قلت لكم أني بريئة
ما صدقتموني، وإن اعترفت
لكم ـ والله يعلم أني لبريئة
ـ صدقتم قولي. (فصبر جميل،
والله المستعان على ما
تصفون). وينزل من السماء
قرآن يبرئ أم المؤمنين:
{إن الذين جاءوا بالإفك
عصبة منكم لا تحسبوه شراً
لكم بل هو خير لكم لكل امرئ
منهم ما اكتسب من الإثم
والذي تولى كبره منهم
له عذاب عظيم "11"} (سورة النور)
ومرت هذه الأيام العصيبة
في حياة صاحب الرسالة
الخالدة نوزل التشريع
الإلهي يعاقب من يقذف
في أعراض الناس بالباطل
بالجلد ثمانين جلدة |
لا تنسونا
من صالح دعائكم
أخوكم
في الله محمد
الرفاعي
أبو رجاء
al7aziin@hotmail.com